فلسطين أرضُ كنعان… وجهة نظر

فلسطين أرض كنعان وجهة نظر
منذ فتحنا عيوننا على تاريخ فلسطين وجغرافيتها، وبدأنا في تلمس أسباب المعرفة وما تنطوي عليه من وقائع ومعلومات، منذ ذلك الحين بدأنا نعرف أن أرض فلسطين هي أرض كنعان، وأن الكنعانيين هم أحد الشعوب العربية السامية التي قدمت من شبه الجزيرة العربية، ووجدت في بلاد الشام أرضا خصبة ومنطقة استراتيجية من الناحية التجارية، فأقامت فيها حضارة أصبح لها ذكر وتاريخ.

أي كلام غير هذا يتقول به بعض المؤرخين المستشرقين أو المتصهينين لا يخرج عن كونه مغالطة تاريخية مقصودة ومخططا لها مسبقا. فإذا اتكأ كاتب عربي ما على ما حرف من التوراة وما لفق في التلمود وقال إن الكنعانيين ليسو عربا وليسو ساميين أيضا، فإن هذا القول ينافي الحقيقة، ويشكل محاولة للقفز على حقائق الأمور ودقائقها التي تثبت عكس ذلك تماما.

الكنعانيون والفنيقيون واليبوسيون ما هم إلا قبائل سامية قادمة من شبه الجزيرة العربية، وتشكل شعبا عربيا ساميا واحدا بنى وعمر وأقام حضارة عريقة في بلاد الشام، خاصة في فلسطين التي صارت تعرف بأرض كنعان وعاصمتها "أورسالم" نسبة إلى سالم إله السلام عند الكنعانيين والتي صارت تسمى "يبوس" نسبة إلى اليبوسيين.

إذا اتكأ كاتب عربي ما على ما حرف في التوراة وما لفق في التلمود وقال إن الكنعانيين ليسو عربًا وليسو ساميين أيضًا، فإن هذا القول ينافي الحقيقة، ويشكل محاولة للقفز على حقائق الأمور ودقائقها التي تثبت عكس ذلك تماما

وأي كلام غير هذا الذي عرفناه وتعلمناه في المدارس والجامعات العربية يشكل صدمة معرفية لدى الأجيال العربية إذا ما أخذ على محمل التصديق.

فالصهاينة المتطرفون ومن لف لفهم وحدهم ودون غيرهم من يقولون هذا، ويروجون له، على حد زعمهم، إذ يحرفون مواضع في التوراة على هواهم ووفق ما يخدم المصلحة الصهيونية وإقامة كيانها العنصري الغاصب على أرض فلسطين أرض كنعان القديمة.

فهم يقولون إن الكنعانيين وغيرهم من الشعوب والقبائل ليسو ساميين كالأشوريين والعمونيين والآراميين، حيث أجداد هؤلاء هم أبناء حام الابن الأصغر لسيدنا نوح عليه السلام، وليس أبناء سام ابنه الأكبر، حيث الساميون عندهم فقط هم العبرانيون، وغرضهم من ذلك الزعم ترسيخ مفهوم الوعد الإلهي لهم بأرض الميعاد دون غيرهم متجاهلين أن سيدنا إبراهيم سامي الأصل، وأن العرب من نسل ولده إسماعيل عليه السلام.

وعليه، كيف يكون العبرانيون ساميين وغيرهم من القبائل والشعوب القادمة من بلاد الشام من شبه الجزيرة العربية غير سامية؟ إذا كان اليهود وبخاصة المتطرفون منهم يدعون قديمًا وحديثًا بأنهم هم فقط من نسل سام الابن الأكبر لنوح عليه السلام، وأنهم الساميون دون غيرهم، فإن هذا الزعم الذي يروجون له ما هو إلا خدمة من اليهود الجدد للصهاينة الجدد في إقامتهم لكيانهم "إسرائيل" التي أقاموا قواعدها في فلسطين الكنعانية العربية، والتي جعلوها دون حدود لتظل قابلة للتمدد والاتساع حتى تشمل المنطقة العربية، وتحقق شعارهم الذي نقشوه على جدار مبنى الكنيست في يوم ما وهو (وطنك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل).

إن قصر الصهاينة الجدد لصفة السامية على العبرانيين وسحب هذه التسمية الفضفاضة والمفصلة على قياس اليهود فقط ما هو إلا هدف مبيت لخدمة شعار المعاداة للسامية الذي رفعوه وساروا به كرافعة إدانة لكل من يعارض كيانهم الصهيوني وغطرسته في المنطقة العربية، أو من ينتصر لحقوق الشعب الفلسطيني الذي ما زال يعاني الشتات والاستلاب والحصار والاستيطان.

اسم الكنعانيين جاء من لفظة "كنع" وهي اسم يدل على المنطقة المنخفضة من الأرض، إذ كان هؤلاء يفضلون السكنى في المناطق المنخفضة طلبًا للماء والدفء وخصوبة التربة

نعود إلى أصل الكنعانيين السامي الأصل وسبب تسميتهم بهذا الاسم، فالكنعانيون كما أسلفنا هم إحدى القبائل العربية الخارجة إلى بلاد الشام من شبه الجزيرة العربية، وهم شأنهم شأن القبائل العربية عرب، فهل يعقل أن شعبًا خرج من شبه الجزيرة العربية ويكون غير عربي الهوية والانتماء، بينما وبمنطق التاريخ والجغرافيا تأخذ شعوب الكرة الأرضية أسماءها من المنطقة الجغرافية التي تعيش فيها، فهذا الأمريكي وهذا الأسترالي وهذا الروسي وهكذا…؟!

أما اسم الكنعانيين فقد جاء من لفظة "كنع" وهي اسم يدل على المنطقة المنخفضة من الأرض، إذ كان هؤلاء يفضلون السكنى في المناطق المنخفضة طلبًا للماء والدفء وخصوبة التربة.

ويجمع المؤرخون على أن أرض كنعان لم تكن مقصورة على جزء صغير من بلاد الشام وهو فلسطين، أو جزء صغير من شبه الجزيرة العربية وهو اليمن حيث موطنهم الأقدم، وإنما هم أقاموا حضارتهم على أجزاء واسعة من بلاد الشام، فلسطين وشرق الأردن وسوريا ولبنان، حيث لم تظهر هذه التسميات الجزئية إلا أثناء السيطرة الرومانية على بلاد الشام.

وفي الحقيقة فإن الكنعانيين حينما تركزت حياتهم في فلسطين لم يسلموا من الغزوات والحروب، وحتى إنهم تعرضوا لتشويه اسمهم، فأطلق عليهم الإغريق اسم الفنيقيين، كما أطلق عليهم المصريون اسم الهكسوس. وجرت تسميتهم أيضا بالعماليق حيث ثبت للمؤرخين أصولهم التي تمتد إلى "عمليق بن لاوذ بن إرم بن سام بن سيدنا نوح عليه السلام".

ليس سهلا أن يذهب البعض إلى الاعتقاد بأنه لا علاقة لفلسطين والفلسطينيين بالكنعانيين العرب، وليس بمقدور أحد وبجرة قدم أن يقرر بأن العرب غير ساميين

لقد كان للكنعانيين أصولهم السامية، ولغتهم الخاصة بهم، واسمهم الذي عرفوا به بين الشعوب الأخرى على مدى التاريخ وامتداد الجغرافيا، حتى إن فلسطين عرفت لدى المؤرخين القدامى بأرض كنعان.

وأي كلام غير هذا هو محض اعتمادٍ أو اتكاء على نصوص محرفة من التوراة -بقصد أو بدون قصد- وذلك خدمةً للأهواء والأطماع الصهيونية التي كان وما زال لعابها الاستعماري يسيل على أرض فلسطين.. كل فلسطين.

وهنا يجدر بنا أن نتساءل قائلين: لمصلحة من يجري تثبيت وترسيخ هذا الزعم الذي يشكك في الأصول السامية والعربية للكنعانيين الذين أسسوا لهم مملكة وحضارة في فلسطين أخذ بعض اليهود القادمين إلى أرض كنعان عنها فن الزراعة وبناء البيوت وإقامة دور العبادة؟.

فعندما جاء اليهود إلى فلسطين، وقبل أن يحاربوا العماليق من الكنعانيين في عهد سيدنا داود عليه السلام استظلوا بالحضارة الكنعانية، وتعلموا منها الكثير، لا سيما وأنهم لم يكونوا يتقنون إلا التجارة.

وعندما انتصروا على الكنعانيين قاموا بتحريف اسم عاصمتهم "أورسالم" إلى "أورشليم"، فظل الاسم دارجا عندهم إلى يومنا هذا.

نخلص من كل هذا وذاك إلى أنه ليس من السهولة بمكان أن يذهب البعض إلى الاعتقاد بأن لا علاقة لفلسطين والفلسطينيين بالكنعانيين العرب، وليس بمقدور أحد وبجرة قدم أن يقرر بأن العرب غير ساميين، وكأنهم قادمون من كوكب آخر قد يكون كوكب المريخ.

شيء جميل في نظر البشرية أن تكون مؤرخا جيدا وأمينا على حضارات أمم سادت ثم بادت، ولكن الأجمل منه أن تكون قارئا جيدا للتاريخ.

المصدر : الجزيرة